إنَّ وظيفة التعليم من أشرف الوظائف على الإطلاق؛ لأنَّها مُهمَّة الأنبياء التي بُعثوا من أجْلها؛ قال - تعالى -: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ العلماء وَرَثَةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذه، أخَذَ بحظٍّ وافر))؛ صحيح سُنن أبي داود.
ولذلك كان نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - مُعَلِّمنا، وموجِّهنا؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما أنا لكم بمنزلة الوالد، أعَلِّمكم))؛ صحيح سُنن أبي داود.
ويشير أحدُ علماء التربية إلى أنّ مِهنة التدريس هي "المهنة الأم"، ويقول آخرُ: "المدرِّس قائد يمثِّل كلاًّ من الأب والأمِّ".
أَرَأَيْتَ أَعْظَمَ أَوْ أَجَلَّ مِنَ الَّذِي
يَبْنِي وَيُنْشِئُ أَنْفُسًا وَعُقُولاَ
فإذا كان أمرُك هكذا أيها المعلم، فاحرِصْ على أن تأخُذَ بمجامع صفات المربِّي المسلم، الذي بوَّأه الله هذه المسؤوليَّة العظيمة؛ قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في وصيَّته للمعلمين: "إنَّكم تجلسون من كراسي التعليم على عروش ممالك، رعاياها أطفال الأُمَّة؛ فسُوْسُوهم بالرِّفْق والإحسان، وتَدَرَّجوا بهم من مرحلة كاملة في التربية إلى مرحلةٍ أكملَ منها، إنهم أمانة الله عندكم، وودائع الأُمَّة بين أيديكم، سَلَّمَتْهم إليكم أطفالاً؛ لتردُّوها إليها رجالاً، وقدَّمَتْهم إليكم هياكلَ؛ لتنفخوا فيها الروح، وألفاظًا؛ لتعمروها بالمعاني، وأوْعِية؛ لتملؤوها بالفضيلة والمعرفة".
إنَّ المعلم أمينٌ على أبناء الأُمَّة، قد تنعكس نتائج عمله إذا هو فرَّط في الأخْذِ بأسباب نجاح مِهْنته، فهو كالطبيب يستطيع أن يُهلك مريضَه إذا أساء علاجه، وكالفلاح قد يُهلك زرْعَه إذا أساء رعايته، وهو نائب عن الوالدين، وموضع ثِقَتهما؛ لأنهما قد وَكَلا إليه تربية ابنهما، وهو أمل الأُمَّة في تخريج مَن سيتولون شؤونها، ويتبوَّؤون مراكزَ القَرار فيها.
إنَّ للمعلم المسلم الناجح صفاتٍ يجبُ أن يتحلَّى بها، نقتصر منها اليوم على ثلاثٍ، ونترك الباقي للجمعة القادمة - إن شاء الله تعالى:
1- الإتقان في مُهمَّته، عن طريق التمكُّن من مادة تعليمه، وإحاطته بالطرق التربوية الناجعة، وعِلْمه بالجوانب النفسيَّة للشريحة التي يدرسها؛ لأن أبناء المسلمين أمانة في عُنقه، سيأخذون بتلابيبه يوم القيامة، إنْ هو قَصَّر في حُسن تربيتهم، أو عَلَّمهم ما يكون سببًا في زَيْغهم؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله كتَبَ الإحسان على كلِّ شيءٍ))؛ رواه مسلم، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله - عز وجل - يحبُّ إذا عَمِل أحدُكم عملاً أن يُتْقِنَه))؛ رواه الطبراني، وهو في صحيح الجامع.
2- الرِّفْق في التعامل مع تلامذته؛ لا يعنِّفهم، ولا يَضْرِبهم، ولا يُشدِّد عليهم، إلا في الحدود التربويَّة المشروعة؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهمَّ مَن وَلِي من أمر أُمَّتي شيئًا فشَقَّ عليهم، فاشْقُقْ عليه، ومَن وَلِي من أمْر أُمَّتي شيئًا فَرَفَق بهم، فارفُقْ به))؛ مسلم.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله لم يبعثْني مُعنِّتًا ولا مُتعنِّتًا، ولكن بعثني مُعلِّمًا ميسِّرًا))؛ مسلم.
• وفي قصة معاوية بن الحَكَم السُّلَمِي الذي قال: "بينا أنا أصلِّي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذْ عَطَس رجلٌ من القوم، فقلتُ: يرحمك الله، فرماني القومُ بأبصارهم، فقلتُ: واثُكْل أُمِّياه، ما شأنُكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتُهم يُصَمِّتونني لكنِّي سكتُّ، فلمَّا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي هو وأُمِّي؛ ما رأيتُ مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرني - قَهَرني وعَنَّفَني - ولا ضَرَبني ولا شَتَمني، قال: ((إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنَّما هو التسبيحُ والتكبير وقراءة القرآن))"؛ مسلم.
• وعن مالك بن الحويرث قال: "أتيْنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن شَبَبَةٌ متقاربون - في السنِّ، وشببة جَمْع شاب - فأَقَمْنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفيقًا - وفي بعض النسخ: رقيقًا - فلمَّا ظنَّ أنَّا قد اشتهينا أهْلَنا، أو قد اشتقْنا، سَأَلَنَا عمَّن تركْنا بعدنا، فأخبرناه، قال: ((ارْجعوا إلى أهْليكم، فأقيموا فيهم، وعَلِّموهم، ومُروهم، وصلُّوا كما رأيتموني أصلِّي، فإذا حضرتِ الصلاة، فليؤذِّن لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم))"؛ البخاري.
وقد قيل: "حتى تستطيع رفْعَ التلميذ الذي وقَعَ على الأرض، عليك أن تنحني له وترفعه برِفْق، وإلاَّ فكيف تَصِل إليه؟".
وقال ابن حجر: "والمراد تَرْك التشدُّد عليه في الابتداء، وكذلك الزجرُ عن المعاصي ينبغي أن يكونَ بتلطُّفٍ ليُقْبلَ، وكذلك تعليم العِلم ينبغي أن يكونَ بالتدرُّج؛ لأنَّ الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً، حُبِّبَ إلى مَن يدخلُ فيه، وتلقَّاه بانبساط".
وعلى المعلِّمين - كما قال الماوردي -: "ألا يعنفوا مُتعلِّمًا، ولا يحتقروا ناشئًا، ولا يستصغروا مُبتدئًا؛ فإن ذلك أدْعى إليهم، وأعطفُ عليهم، وأحسُّ على الرغبة فيما لديهم".
وكم من الحوادث وقعتْ بسبب الشدَّة والغَفلة عن هَدْي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأخْذِ بيد المتعلِّمين، ولو كانوا مشاغبين مشاكِسين، فهذا مُعلم قذَفَ تلميذًا بمسطرة حديديَّة، فتركتْ في رأْسه حُفرة غائرة كادتْ تؤدي إلى عاهة مُستديمة، وهذه مُدَرِّسة ضربتْ تلميذًا على يده حتى كَسَرتْها، وهذا معلِّم كسَر أنفَ أحد التلاميذ المشاغبين، ومُعلِّم آخرُ يَضْرِب أحدَ التلاميذ بسلكٍ كهربائي في جميع جَسَده، وكأنه مُجْرِمٌ يستحقُّ الموت.... والأمثلة كثيرة.
الخطبة الثانية
3- ومن هذه الصفات التي على المعلِّم أن يتَّصِف بها، العَدْل بين التلاميذ والطلاب، وعدم تفضيل بعضِهم على بعض في المعاملة أو العناية أو الدرجات، والأقْبح من ذلك تلقِّي الرشاوى من أجْل مَنْح النقط.
• قال مجاهد: "المعلِّم إذا لم يَعْدِل كُتِبَ من الظَّلَمَة".
• ويروى عن الْحَسَن البصري أنَّه قال: "إذا قُوطِع المعلِّم على الأَجْر، فلم يَعْدِل بينهم - أي: الطلاب - كُتِبَ من الظَّلَمَة".
وَإِذَا الْمُعَلِّمُ لَمْ يَكُنْ عَدْلاً مَشَى
رُوحُ الْعَدَالَةِ فِي الشَّبَابِ ضَئِيلاَ
• قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].
• قال ابن سينا: "ينبغي أنْ يكونَ مؤدِّبُ الصبي عاقلاً، ذا دين، بصيرًا برياضة الأخلاق، حاذقًا بتخريج الصبيان، وقورًا رزينًا، غير كَزٍّ ولا جامدٍ، حلوًا لبيبًا، ذا مُروءَةٍ ونظافة ونزاهة".
فبالله عليك، ماذا تنتظر من أحد الأساتذة يسأل تلميذه سيجارة، وأستاذ يقترض من تلميذه مالاً، وأستاذ يسأل عن وظائف أولياء أمور تلاميذه، فيستجدي هذا، ويتملَّق لهذا، ويجعل هذا واسطة لقضاء حاجاته الشخصيَّة، وأستاذ يُقتِّرُ في النقاط على فقراء التلاميذ، ويَبسط يدَه بها للميسورين؛ لأنهم زبائن عنده في الساعات الإضافيَّة، وأستاذ يقوم بساعات إضافيَّة في مؤسَّسة خصوصيَّة، فتراه يحضر في الوقت، ويلبس أحسنَ اللباس، ويقوم بساعات الدَّعْم والتقوية، ثم يعتبر مؤسَّسته الأصليَّة التي استأْمَنتْه الدولة عليها أمرًا ثانويًّا، يتأخَّر في الحضور، ورُبَّما يغيب بلا سبب، لا يَعتني بهيئته، تراه مُقطّبًا عَبوسًا، يعامل التلاميذ بقسوة وغِلْظة، كيف لِمِثْل هؤلاء أنْ يكونوا عادلين نُزَهاء؟!
إنَّ اختلال هذا الميزان عند المعلِّم هو الذي يولِّد العُنف والتوتر، وعدم الانسجام والعداوة والبغضاء بين الطلاب والتلاميذ، بدلاً عن المحبَّة والإخاء
[right]
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ العلماء وَرَثَةُ الأنبياء، وإنَّ الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذه، أخَذَ بحظٍّ وافر))؛ صحيح سُنن أبي داود.
ولذلك كان نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - مُعَلِّمنا، وموجِّهنا؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما أنا لكم بمنزلة الوالد، أعَلِّمكم))؛ صحيح سُنن أبي داود.
ويشير أحدُ علماء التربية إلى أنّ مِهنة التدريس هي "المهنة الأم"، ويقول آخرُ: "المدرِّس قائد يمثِّل كلاًّ من الأب والأمِّ".
أَرَأَيْتَ أَعْظَمَ أَوْ أَجَلَّ مِنَ الَّذِي
يَبْنِي وَيُنْشِئُ أَنْفُسًا وَعُقُولاَ
فإذا كان أمرُك هكذا أيها المعلم، فاحرِصْ على أن تأخُذَ بمجامع صفات المربِّي المسلم، الذي بوَّأه الله هذه المسؤوليَّة العظيمة؛ قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في وصيَّته للمعلمين: "إنَّكم تجلسون من كراسي التعليم على عروش ممالك، رعاياها أطفال الأُمَّة؛ فسُوْسُوهم بالرِّفْق والإحسان، وتَدَرَّجوا بهم من مرحلة كاملة في التربية إلى مرحلةٍ أكملَ منها، إنهم أمانة الله عندكم، وودائع الأُمَّة بين أيديكم، سَلَّمَتْهم إليكم أطفالاً؛ لتردُّوها إليها رجالاً، وقدَّمَتْهم إليكم هياكلَ؛ لتنفخوا فيها الروح، وألفاظًا؛ لتعمروها بالمعاني، وأوْعِية؛ لتملؤوها بالفضيلة والمعرفة".
إنَّ المعلم أمينٌ على أبناء الأُمَّة، قد تنعكس نتائج عمله إذا هو فرَّط في الأخْذِ بأسباب نجاح مِهْنته، فهو كالطبيب يستطيع أن يُهلك مريضَه إذا أساء علاجه، وكالفلاح قد يُهلك زرْعَه إذا أساء رعايته، وهو نائب عن الوالدين، وموضع ثِقَتهما؛ لأنهما قد وَكَلا إليه تربية ابنهما، وهو أمل الأُمَّة في تخريج مَن سيتولون شؤونها، ويتبوَّؤون مراكزَ القَرار فيها.
إنَّ للمعلم المسلم الناجح صفاتٍ يجبُ أن يتحلَّى بها، نقتصر منها اليوم على ثلاثٍ، ونترك الباقي للجمعة القادمة - إن شاء الله تعالى:
1- الإتقان في مُهمَّته، عن طريق التمكُّن من مادة تعليمه، وإحاطته بالطرق التربوية الناجعة، وعِلْمه بالجوانب النفسيَّة للشريحة التي يدرسها؛ لأن أبناء المسلمين أمانة في عُنقه، سيأخذون بتلابيبه يوم القيامة، إنْ هو قَصَّر في حُسن تربيتهم، أو عَلَّمهم ما يكون سببًا في زَيْغهم؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله كتَبَ الإحسان على كلِّ شيءٍ))؛ رواه مسلم، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله - عز وجل - يحبُّ إذا عَمِل أحدُكم عملاً أن يُتْقِنَه))؛ رواه الطبراني، وهو في صحيح الجامع.
2- الرِّفْق في التعامل مع تلامذته؛ لا يعنِّفهم، ولا يَضْرِبهم، ولا يُشدِّد عليهم، إلا في الحدود التربويَّة المشروعة؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهمَّ مَن وَلِي من أمر أُمَّتي شيئًا فشَقَّ عليهم، فاشْقُقْ عليه، ومَن وَلِي من أمْر أُمَّتي شيئًا فَرَفَق بهم، فارفُقْ به))؛ مسلم.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله لم يبعثْني مُعنِّتًا ولا مُتعنِّتًا، ولكن بعثني مُعلِّمًا ميسِّرًا))؛ مسلم.
• وفي قصة معاوية بن الحَكَم السُّلَمِي الذي قال: "بينا أنا أصلِّي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذْ عَطَس رجلٌ من القوم، فقلتُ: يرحمك الله، فرماني القومُ بأبصارهم، فقلتُ: واثُكْل أُمِّياه، ما شأنُكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتُهم يُصَمِّتونني لكنِّي سكتُّ، فلمَّا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي هو وأُمِّي؛ ما رأيتُ مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرني - قَهَرني وعَنَّفَني - ولا ضَرَبني ولا شَتَمني، قال: ((إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنَّما هو التسبيحُ والتكبير وقراءة القرآن))"؛ مسلم.
• وعن مالك بن الحويرث قال: "أتيْنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن شَبَبَةٌ متقاربون - في السنِّ، وشببة جَمْع شاب - فأَقَمْنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفيقًا - وفي بعض النسخ: رقيقًا - فلمَّا ظنَّ أنَّا قد اشتهينا أهْلَنا، أو قد اشتقْنا، سَأَلَنَا عمَّن تركْنا بعدنا، فأخبرناه، قال: ((ارْجعوا إلى أهْليكم، فأقيموا فيهم، وعَلِّموهم، ومُروهم، وصلُّوا كما رأيتموني أصلِّي، فإذا حضرتِ الصلاة، فليؤذِّن لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم))"؛ البخاري.
وقد قيل: "حتى تستطيع رفْعَ التلميذ الذي وقَعَ على الأرض، عليك أن تنحني له وترفعه برِفْق، وإلاَّ فكيف تَصِل إليه؟".
وقال ابن حجر: "والمراد تَرْك التشدُّد عليه في الابتداء، وكذلك الزجرُ عن المعاصي ينبغي أن يكونَ بتلطُّفٍ ليُقْبلَ، وكذلك تعليم العِلم ينبغي أن يكونَ بالتدرُّج؛ لأنَّ الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً، حُبِّبَ إلى مَن يدخلُ فيه، وتلقَّاه بانبساط".
وعلى المعلِّمين - كما قال الماوردي -: "ألا يعنفوا مُتعلِّمًا، ولا يحتقروا ناشئًا، ولا يستصغروا مُبتدئًا؛ فإن ذلك أدْعى إليهم، وأعطفُ عليهم، وأحسُّ على الرغبة فيما لديهم".
وكم من الحوادث وقعتْ بسبب الشدَّة والغَفلة عن هَدْي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الأخْذِ بيد المتعلِّمين، ولو كانوا مشاغبين مشاكِسين، فهذا مُعلم قذَفَ تلميذًا بمسطرة حديديَّة، فتركتْ في رأْسه حُفرة غائرة كادتْ تؤدي إلى عاهة مُستديمة، وهذه مُدَرِّسة ضربتْ تلميذًا على يده حتى كَسَرتْها، وهذا معلِّم كسَر أنفَ أحد التلاميذ المشاغبين، ومُعلِّم آخرُ يَضْرِب أحدَ التلاميذ بسلكٍ كهربائي في جميع جَسَده، وكأنه مُجْرِمٌ يستحقُّ الموت.... والأمثلة كثيرة.
الخطبة الثانية
3- ومن هذه الصفات التي على المعلِّم أن يتَّصِف بها، العَدْل بين التلاميذ والطلاب، وعدم تفضيل بعضِهم على بعض في المعاملة أو العناية أو الدرجات، والأقْبح من ذلك تلقِّي الرشاوى من أجْل مَنْح النقط.
• قال مجاهد: "المعلِّم إذا لم يَعْدِل كُتِبَ من الظَّلَمَة".
• ويروى عن الْحَسَن البصري أنَّه قال: "إذا قُوطِع المعلِّم على الأَجْر، فلم يَعْدِل بينهم - أي: الطلاب - كُتِبَ من الظَّلَمَة".
وَإِذَا الْمُعَلِّمُ لَمْ يَكُنْ عَدْلاً مَشَى
رُوحُ الْعَدَالَةِ فِي الشَّبَابِ ضَئِيلاَ
• قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].
• قال ابن سينا: "ينبغي أنْ يكونَ مؤدِّبُ الصبي عاقلاً، ذا دين، بصيرًا برياضة الأخلاق، حاذقًا بتخريج الصبيان، وقورًا رزينًا، غير كَزٍّ ولا جامدٍ، حلوًا لبيبًا، ذا مُروءَةٍ ونظافة ونزاهة".
فبالله عليك، ماذا تنتظر من أحد الأساتذة يسأل تلميذه سيجارة، وأستاذ يقترض من تلميذه مالاً، وأستاذ يسأل عن وظائف أولياء أمور تلاميذه، فيستجدي هذا، ويتملَّق لهذا، ويجعل هذا واسطة لقضاء حاجاته الشخصيَّة، وأستاذ يُقتِّرُ في النقاط على فقراء التلاميذ، ويَبسط يدَه بها للميسورين؛ لأنهم زبائن عنده في الساعات الإضافيَّة، وأستاذ يقوم بساعات إضافيَّة في مؤسَّسة خصوصيَّة، فتراه يحضر في الوقت، ويلبس أحسنَ اللباس، ويقوم بساعات الدَّعْم والتقوية، ثم يعتبر مؤسَّسته الأصليَّة التي استأْمَنتْه الدولة عليها أمرًا ثانويًّا، يتأخَّر في الحضور، ورُبَّما يغيب بلا سبب، لا يَعتني بهيئته، تراه مُقطّبًا عَبوسًا، يعامل التلاميذ بقسوة وغِلْظة، كيف لِمِثْل هؤلاء أنْ يكونوا عادلين نُزَهاء؟!
إنَّ اختلال هذا الميزان عند المعلِّم هو الذي يولِّد العُنف والتوتر، وعدم الانسجام والعداوة والبغضاء بين الطلاب والتلاميذ، بدلاً عن المحبَّة والإخاء
[right]
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 2:02 pm من طرف karimi
» البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بمادة التربية الإسلامية بسلك التعليم الثانوي الإعدادي
الثلاثاء نوفمبر 19, 2013 4:26 pm من طرف ادير
» محموعة خطب ومقالات رائقة لأستاذنا الدكتور محمد ويلالي حفظه الله
الجمعة نوفمبر 08, 2013 12:56 am من طرف سيدي محمد
» نموذج امتخان الدخول إلى المراكز التربوية الجهوية ( CPR ) سنة : ( 2007 )
السبت سبتمبر 07, 2013 11:54 am من طرف youssef
» الوضعية المشكلة كمدخل ديداكتيكي وخصوصيات مادة التربية الإسلامية
الإثنين فبراير 18, 2013 2:08 pm من طرف الاستاذة ام نائل
» موضوع حول النظرية البنائية لبياجيه بتقنية بوربوانت
الإثنين فبراير 04, 2013 12:37 am من طرف غسان عبد العزيز
» الامتحان الموحد المحلي للثالثة اعدادي
الجمعة ديسمبر 28, 2012 2:03 pm من طرف عبداللطيف الكريمي
» قراءة خاشعة بصوت الأستاذ المقرئ:مصطفى بويدان
الثلاثاء يوليو 03, 2012 4:59 am من طرف faiz
» ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية
الثلاثاء يوليو 03, 2012 4:58 am من طرف faiz