بسم الله الرحمن الرحيم :
هذا موضوع متميز لأستاذنا الدكتور: محمد ويلالي، أحببت أن يستفيد منه إخواني وأخواتي، فأسأل الله جل وعلا أن يبارك في أستاذنا :
بسم الله الرحمن الرحيم
فإن الدين الذي ارتضاه الله تعالى للناس هو الإسلام. قال تعالى: ﴿ إن الدين عند الله الإسلام ﴾. قال الإمام الطبري - رحمه الله -: "إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام". وقال البيضاوي - رحمه الله -: "أي لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام وهو التوحيد". وقال تعالى: ﴿ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾. قال ابن كثير - رحمه الله -: "إخبار عن أنه لا يَقبل من أحد طريقةً ولا عملا إلا ما كان موافقا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم".
إن الدين عند المغاربة هو الإسلام، تلقوه بالبشر والحبور، منذ أن تذوقوا طعم الطمأنينة والاستقرار في ظله، وعرفوا حقوقهم الحقيقية في أحكامه، ففتحوا له صدورهم، وتمكن منهم تمكنا عظيما، وتعلموا اللغة العربية - لغة القرآن - التي أصبحت اللغة الرسمية فيما بعد.
فلما جاء عهد الدساتير، التي تعتبر أعلى قانون منظم للبلدان، بادر المغاربة إلى إنشاء أول دستور سنة 1908م، في عهد "المولى عبد الحفيظ"، فكان بداهة أن يؤكد عقيدة المغاربة بالتنصيص على أن الإسلام هو دين الدولة، بل اشترط على من يمثلون الأمة أن يكونوا حافظين لمتن الشيخ خليل.
وليس غريبا - إذن - أن يصدر دستور البلاد الحالي بالقول: "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية"، وأن يُنصَّ في الفصل السادس على أن "الإسلام دين الدولة"، وينصَّ في الفصل السادس بعد المائة على أن "النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تتناولها المراجعة".
نُذَكِّر بهذا الكلام، الذي كنا نظنه من البدهيات عند المغاربة، لأننا أصبحنا نسمع بعض الأصوات الشاذة ترتفع هنا وهناك، بضرورة إلغاء هذا التنصيص على الدين من الدستور، والمناداة بدولة عَالَمَانِية لائكية، تجعل الدين بمعزل عن الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، وتحصره في المساجد، وكأنه طقوس مناسباتية، لا علاقة لها بالحياة.
وكم كان عجب الغيورين من المغاربة على دينهم، لما سمعوا بطائفة من الشباب، قليلة الفهم لدينهم، تنادي بالأكل في نهار رمضان، وتخرج في مسيرة تحمل الخبز، وتتحدى مشاعر المسلمين بالعسف على حرمة رمضان. وكم كان العجب من فئة من الناس - هداهم الله -، نادت بضرورة المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء، حتى في الإرث، ومنع شرط الولي في الزواج مطلقا، ومنع تعدد الزوجات مطلقا. ومنهم من يرى جواز بيع الخمر للمغاربة نهارا جهارا، لأن القضية قضية حرية شخصية، وليست استجابة لأمر رباني، ومنهم من يرى جواز الردة عن الإسلام، ومنهم من أراد أن يشرع للزواج المثلي.
ومما لم ينقطع منه العجب، أن تقوم فئة أخرى بالمناداة بالرجوع إلى الجذور الوثنية، التي كانت سائدة قبل الإسلام، في الوقت الذي تَعتبر فيه بعضَ شعائر المسلمين بقايا وثنية.
ليعلم هؤلاء جميعا، أن بلدنا - ولله الحمد - ليس بلدا طائفيا، وليس معتركا للأديان المختلفة. إن 98% من المغاربة مسلمون، لا يرضون بدين الإسلام بديلا، دونه دماؤهم، وأموالهم، وذراريهم. يعتبرون الخوض فيه خطا أحمر، لا يقبل النقاش ولا الجدال مطلقا، فهو عزتهم، وهو كرامتهم، وهو مستقبلهم، بل هو حياتهم كلها.
إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا
فمِمَّ يخاف هؤلاء من جعل الإسلام دين الدولة؟.
- لقد توهمت قريش أن اتباع الإسلام سَيُفَوِّتُ عليهم المصالح التي تربطهم بغيرهم، فقالوا:"إن نتبع الهدىمعك نُتخطف من أرضنا". ولذلك قال تعالى، مبينا حقيقتهم: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾.
إن الغربيين أنفسهم، وإن تنكروا لدينهم في حل مشاكلهم الحياتية، لأنه دين مزيف مزور، غير أنهم حافظوا على "مسيحية الدولة"، وتعصبوا لذلك أيما تعصب، فأنشأوا الفاتيكان رمزا للنصرانية، وصرح بعض زعمائهم بأنهم يصلون، ويستنجدون بالكنيسة في الأوقات العصيبة، مع وجود عرف سائد عندهم، بموجبه يتم اقتطاع 5% من مرتب كل موظف من أجل التنصير. التنصير الذي جندت له آلاف المنظمات التي يرعاها مجلس الكنائس العالمي، حتى إنك لتجد في بلد عربي[1] في وسط أفريقيا أكثر من 500 منظمة كنسية.
يقول أحد المنصرين الكبار[2] بعد أن أسلم:"لقد ذُهلتُ عندما اعتنقت الإسلام، ووجدت أن المسلمين لا يطبقونه في حياتهم، فقد حدد الله تعالى في الإسلام مصدرين للحياةالمدنية والسياسية هما: القرآن الكريم، والسنة النبوية".
هذه شهادة من عرف النصرانية وعرف الإسلام، فماذا بقي لمن ينادي بتشطيب لفظ الإسلام من الدستور؟ .
ومن الناحية الواقعية، ماذا قدم إبعاد الدين عن الحياة في الدول الغربية؟ هذه إحدى أغنى الدول الإسكندنافية[3]، حيث الدخل الفردي مرتفع جدا، والإعانات النقدية عند الحاجة، كمصارف العلاج، ومصارف التعليم في كل مراحله، بل حتى مصارف الزواج وتأثيث البيوت. لكن وجدنا مع هذا الرخاء المادي خواء روحيا مفزعا، وفراغا قلبيا قاتلا، فما هو إلا اهتبال للنزوات والشهوات، وإطلاق العِنان للحرية المادية، حتى صار الشعب مهددا بالانقراض، لكثرة الزنا والخيانة الزوجية، حتى خرجت 100 ألف امرأة في مظاهرة ضد انتشار الفوضى الجنسية، التي كان من آثارها أن هذه الدولة سجلت ثالث أعلى معدل طلاق في العالم، بنسبة 64%، فضلا عن انتشار الانحراف، والمسكرات، والمخدرات، والشذوذ، والقلق، والاضطرابات النفسية، وحرمان الطمأنينة القلبية، ثم الانتحار. وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾.
إن الأصل في الإنسان، أنه خلق مجبولا على الإسلام. قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾. وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: ((إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم)) مسلم.
وعندما نقرر ضرورة التدين، ونجزم بأنه الحل الشامل لما تتردى فيه كثير من المجتمعات، فإننا نقصد الدين الحق، والمنهج الصحيح، الذي ارتضاه لنا ربنا - عز وجل -، وبين أحكامه العمليةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هلك" صحيح سنن ابن ماجة.
وإن حماة الدين، الذين يبلغونه للناس، ويحببونه للناس، هم علماءُ ربانيون، يبتغون بعملهم وجه الله تعالى، فيخلصون في الفتوى، ويخلصون في النصيحة، ويخلصون في الدعوة إلى الله، وترسيخ عقيدة التوحيد، المبنية على عبادة الله وحده، والإيمان العميق باليوم الآخر، وما ينتظر الإنسان من جزاء بعد موته، مما يدعو إلى الأخوة والمحبة، وحسن المعاملة، ومواجهة المستجِدات بهدى وعلم وبصيرة.. مع الحرص على نقاوة الدين من الخرافة، والبدعة، والتساهل.
بهذا يتحقق الإقبال على الدين، ويسود الأمن الروحي، والسلم الاجتماعي. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِإِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾.
وأختم بحديث جامع، أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم سؤال معاذ بن جبل حين قال: "يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار". فقال: "لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت". ثم قال:"ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل". ثم تلا: "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" حتى بلغ: "يعملون"، ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟". قلت: "بلى يا رسول الله". قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد". ثم قال: "ألا أخبرك بمِلاك ذلك كله؟". قلت: "بلى يا نبي الله"، فأخذ بلسانه وقال: "كف عليك هذا". فقلت: "يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟". فقال: "ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال: على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟" صحيح سنن الترمذي.
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 2:02 pm من طرف karimi
» البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بمادة التربية الإسلامية بسلك التعليم الثانوي الإعدادي
الثلاثاء نوفمبر 19, 2013 4:26 pm من طرف ادير
» محموعة خطب ومقالات رائقة لأستاذنا الدكتور محمد ويلالي حفظه الله
الجمعة نوفمبر 08, 2013 12:56 am من طرف سيدي محمد
» نموذج امتخان الدخول إلى المراكز التربوية الجهوية ( CPR ) سنة : ( 2007 )
السبت سبتمبر 07, 2013 11:54 am من طرف youssef
» الوضعية المشكلة كمدخل ديداكتيكي وخصوصيات مادة التربية الإسلامية
الإثنين فبراير 18, 2013 2:08 pm من طرف الاستاذة ام نائل
» موضوع حول النظرية البنائية لبياجيه بتقنية بوربوانت
الإثنين فبراير 04, 2013 12:37 am من طرف غسان عبد العزيز
» الامتحان الموحد المحلي للثالثة اعدادي
الجمعة ديسمبر 28, 2012 2:03 pm من طرف عبداللطيف الكريمي
» قراءة خاشعة بصوت الأستاذ المقرئ:مصطفى بويدان
الثلاثاء يوليو 03, 2012 4:59 am من طرف faiz
» ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية
الثلاثاء يوليو 03, 2012 4:58 am من طرف faiz